خطبة الجمعة القادمة 4 مارس 2022م : الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 4 مارس 2022م : الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 1 شعبان 1443هـ – الموافق 4 مارس 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
(1) حثُّ الإسلامِ على الزكاةِ والصدقةِ.
(2) طرقُ الإسلامِ في الحثِّ على الزكاةِ والصدقةِ.
(3) مِن مقاصدِ الزكاةِ في الإسلامِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان «الزكاةُ والصدقاتُ ودورهُمَا في التنميةِ المجتمعيةِ» بتاريخ/ واحد شعبان 1443 ه = الموافق 4 مارس 2022 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) حثُّ الإسلامِ على الزكاةِ والصدقةِ:
إنَّ الزكاةَ أحدُ أركانِ الإسلامِ الخمسِ، وأهمُّ الركائزِ الاجتماعيةِ التي تعملُ على صقلِ المجتمعاتِ والشعوبِ، وبناءِ الدولِ والأوطانِ، ولذا تجدُ السياقَ القرآنيَّ دائمًا ما يقرنُهَا في الحديثِ عن الصلاةِ في عشراتِ المواضعِ كقولِهِ: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، وهي فريضةٌ محكمةٌ فرضَهَا اللهُ على الشرائعِ السابقةِ، وذكرَهَا في وصاياهُ إلى رسلِهِ وأنبيائِهِ يقولُ حكايةً عن إبراهيمَ وإسحقَ ويعقوبَ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾، وامتدحَ بها إسماعيلَ فقالَ: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾، وقال علىَ لسانِ عيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾، والزكاةُ ليستْ تبرعًا أو تفضلًا مِن الغنيِّ على الفقيرِ أو الكبيرِ على الصغيرِ، إنَّمَا هي حقٌّ في أموالِ الأغنياءِ كما أخبرَ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لما بعثَهُ اليمنَ معلمًا وموجهًا « فَإِنْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» (البخاري)، وقد توعدَ الإسلامُ مَن يمنعُ زكاةَ مالِهِ أو يبخلُ على الناسِ بصدقتِهِ بوعيدينِ: أحدهُمِا: ماديٌّ: يتمثلُ في محقِ البركةِ والخيرِ مِن المالِ والعُمرِ والولدِ والأهلِ، أمَّا مَن ينشرْ زكاتَهُ، ويبذلْ مالَهُ على الناسِ فلهُ الأجرُ العظيمُ والثناءُ الجميلُ، قالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، وثانيهُمَا: معنويٌّ يتجسدُ في استحقاقِهِ النارَ يومَ القيامةِ قالَ تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) طرقُ الإسلامِ في الحثِّ على الزكاةِ والصدقةِ:
سلكَ دينُنَا عدةَ وسائلَ كي يحثَّ المسلمَ على إخراجِ فريضةِ الزكاةِ ويرغبُهُ في إعطاءِ الصدقاتِ:
*استعمالُ أسلوبِ الترغيبِ والترهيبِ: غالبًا ما تجدُ القرآنَ في حديثِهِ عن الزكاةِ والصدقةِ دائمًا ما يسوقُ البُشرياتِ الماديةَ والمعنويةَ حتى يرغِّبَ النفسَ البشريةَ التي جُبلتْ على حُبِّ المالِ واكتنازهِ وجمعهِ ﴿وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا﴾ كي تخرجَ ذلك عن سخاوةِ نفسٍ وطيبِ خاطرٍ، فتارةً يخبرُ عن مضاعفةِ أجرِ الصدقةِ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وتارةً عن تعويضِ المنفقِ بما هو خيرٌ منهُ ﴿وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا طَّيِّبٌ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» (البخاري)، وكمَا أنَّ البشرَ جميعًا ليسُوا على حالةٍ وصفةٍ واحدةٍ استعملَ القرآنُ أسلوبَ الترهيبِ والوعيدِ لمَن منعَ زكاةَ مالِهِ، وركنَ إلى حبِّهِ، فملأَ بهِ جيبَهُ، وغزَّى بهِ بطنَهُ، فصارَ عبدًا لهُ، فتارةً يبينُ اللهُ أنَّ مالَهُ سيكونُ يومَ القيامةِ سببًا في شقائِهِ وتعاستِهِ فقالَ: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾، وقد دعَا عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخيبةِ والخسرانِ على صنفٍ يصيرُ مذبذبًا مشتتًا في حياتهِ فهو إنْ رُزقَ المالَ فرحَ وسرَّ وبسطَ، وإنْ مُنعَ سخطَ وجزعَ وهلعَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ» (البخاري)، ألا فليسارعْ المسلمُ في دفعِ الزكاةِ، وبذلِ الصدقاتِ قبلَ فواتِ الأوانِ، وقبلَ أنْ يندمَ على ما قصرَ في حقِّ نفسهِ ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾؛ وهنا تعبيرٌ لطيفٌ؛ إذ الميتُ يتمنَّى الرجوعَ قائلًا: “فَأَصَّدَّقَ” دونَ غيرِهَا مِن العباداتِ؛ لما رأىَ مِن أثرِ وثوابِ الصدقةِ هناكَ بعدَ موتِهِ وفي قبرِهِ، فخذْ بيدِكَ وداومْ على الصدقَةِ، وبذلِ المنفعَةِ للآخرين لتلحقَ بركبِ الصالحين.
*استخدامُ أسلوبِ المحاكاةِ والتصويرِ الحيِّ: لقد جسدَ رسولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشهدَ مانعِ زكاتِهِ تجسيدًا حيًّا يجعلُ المسلمَ يهرولُ ويسرعُ إلى إخراجِ حقِّ اللهِ في مالِهِ خوفًا مِن نزولِ العذابِ، وهربًا مِن أنْ تلحقَهُ لعنةُ كنزِهِ فعن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ: «يكونُ كنزُ أحدِكُم يومَ القيامةِ شجاعًا أقرعَ، يفرُّ منه صاحبهُ، فيطلبُهُ ويقولُ: أنا كنزُكَ، قالَ: واللهِ لن يزالَ يطلبُهُ، حتى يبسطَ يدَهُ فيُلقِمَهَا فَاهُ» (البخاري)، وفي ليلةِ الإسراءِ رآىَ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صورةً مجسدةً لأثرِ المنفقِ مالَهُ في سبيلِ اللهِ، والمانعِ لهُ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَتَى عَلَى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ، وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، … ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ، وَعَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ إِلَى الضَّرِيعِ وَالزَّقُّومِ وَرَضْفِ جَهَنَّمَ. قَالَ: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ، وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» (الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ)، كما بيَّنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حالِ مِن يمنعُ زكاةَ «الإبلِ والبقرِ وغيرِهَا مِن الحيواناتِ» حيثُ تأتِي يومَ القيامةِ فتمشِي عليه، وتطؤهُ بأرجلِهَا؛ ليكونَ الجزاءُ مِن جنسِ العملِ، فكما لم يرحمْ عبادَ اللهِ في الدنيا، وكثيرًا ما كانَ يتغافلُ عنهم بل أحيانًا يتعاملُ معهم بمبدأِ الذلِّ والهوانِ عاقبَهُ اللهّ بذلكَ العقابِ، وأشربَهُ مِن ذاتِ الكأسِ، فعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ إِلَّا يُؤْتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُؤَدِّي حَقَّهَا فَتَمْشِي عَلَيْهِ بِقَاعٍ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْبَقَرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُؤَدِّي حَقَّهَا فَتَمْشِي عَلَيْهِ تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْغَنَمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُؤَدِّي حَقَّهَا فَتَمْشِي عَلَيْهِ بِقَاعٍ فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ» (الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ)، فلينظرْ الإنسانُ إلى حالِهِ ليرَى مِن أيِّ الفريقينِ، وإلى أين يأخذُهُ عملُهُ وغرسُهُ، ليحددَ أيَّ الطريقينِ سيسلُكُ، ولا أعظمَ مِن طريقِ المنفقينَ المتوكلينَ على ربِّ العالمين، الواثيقنَ بوعدٍهِ ونصرِهِ ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾، وعن أَبي كَبْشَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا» (الترمذي وحسنه وأحمد) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
(3) مِن مقاصدِ الزكاةِ في الإسلامِ:
فرضَ اللهُ العباداتِ في الإسلامِ، وجعلَ لها مقاصدَ ساميةً، وأهدافَ عاليةً، ومِن أهمِّ مقاصدِ الزكاةِ في الإسلامِ:
*تطهيرُ النفسِ مِن الأمراضِ القلبيةِ كالشحِّ والكِبرِ والرياءِ والأدواءِ الجسديةِ كالمرضِ وغيرِهِ: مِن أعظمِ مقاصدِ الزكاةِ في الإسلامِ تطهيرُ النفسِ مِن الشُّحِّ وتحريرُهَا من عُبوديَّةِ المالِ، وهذانِ مَرضَانِ مِن أَخطرِ الأمراضِ النَّفسيةِ التي يَنحطُّ معها الإنسانُ، ويشقَى ويضلُّ ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِه فأولئك هُمُ المُفلِحُون﴾، فهي تطهرُ المُعطِي والمنفقَ، وتُذهبُ عن الآخذِ أيضًا داءَ الحَسدِ والبَغضاءِ؛ لأنَّ المحتاجَ حينَ يرىَ مَن حولَهُ يمرحُ ويرتعُ في النعيمِ ولا يَمدُّ له يَدَ العونِ والمساعدةِ فإنَّه قَلَّمَا يَسلمُ قلبُهُ من الحقدِ عليهِ وعلى المجتمعِ كلِّهِ قالَ تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾، وكما أنَّ الصدقةَ تطهرُ القلبَ، فإنَّها تشفِي البدنَ العليلَ أيضًا لمَن أخلصَ فيها للهِ ربِّ العالمين فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ» (سنده ضعيف)، وتقرأُ في كتبِ الصالحين، وَقد جرَّبَ ذَلِك الموفقونَ مِن أهلِ اللهِ فوجدُوا الْأَدْوِيَةَ الروحانيةَ تفعلُ مَا لَا تَفْعَلُهُ الحسيَّةُ، بل الواقعُ يرشدُكُ ويدلُّكُ: كمْ مِن أمراضٍ مستعصيةٍ وأدواءٍ مزمنةٍ عجزَ الأطباءُ عن علاجِهَا فكانَ أثرُ الصدقةِ واضحًا بارزًا في شفائِهَا ومداواتِهَا، فَصَحِّحْ النيةَ والقصدَ في صدقتِكَ، يُستجابُ لك في دعائِكَ ومسألتِكَ، فعلى النيةِ مدارُ قبولِ العملِ أو ردِّهِ، بل أحيانًا تكونُ نيةُ العبدِ خيرٌ مِن عملِهِ، ولذا أخبرَ ربُّنَا في كتابِهِ عن حالِ مَن ينفقُ مالَهُ رياءً وسمعةً لا حسبةً للهِ فقالَ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ﴾ فمثلُ هذا في انكشافِ أمرِهِ وعدمِ انتفاعِهِ بما ينفقُهُ رياءً وحبًّا للظهورِ، والتقاطَ الصورةِ كمثلِ حجرٍ أملسٍ لا ينبتُ شيئًا، لكنْ عليه قليلٌ مِن الترابِ الذي سرعانَ ما ينزلُ المطرُ عليه فيزيلُهُ، فتنكشفُ حقيقتُهُ، وكذلك المنافقُ المرائيُّ في إنفاقِهِ يتظاهرُ بمظهرِ السخاءِ أمامَ الناسِ ثم لا يلبثُ أنْ ينكشفَ أمرُهُ؛ لأنَّ ثوبَ الرياءِ يشفُّ دائمًا عما تحتَهُ، وإنْ لم يكشفْهُ، فإنَّ اللهَ كاشفُهُ لا محالةَ.
*تنوعُ وجوهِ الخيرِ والبرِّ: لقد تولَّى اللهُ تحديدَ مصارفِ الزكاةِ في كتابِهِ العزيزِ، وحصرَهَا في ثمانيةِ أصنافٍ قالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، ومع ذلك توسعَ الفقهاءُ قديمًا وحديثًا وادخَلُوا تحتَ قولِهِ تعالى: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ما يعمُّ كلَّ وجوهِ الخيرِ والبرِّ، ويحققُ النفعَ العامَ، خاصةً في ظلِّ الكوارثِ والأوبئةِ، فيجوزُ للمسلمِ أنْ ينفقَ مالَهُ على المؤسساتِ التعليميةِ والهيئاتِ الصحيةِ ودورِ الرعايةِ الاجتماعيةِ وغيرِهَا مما لا يدخلُهُ الحصرُ ولا يحصيهِ العدُّ خاصةً في ظلِّ مستجداتِ هذا العصرِ، ولا ينقصُ ذلك مِن ثوابِ المُزكِّي شيئًا على الإطلاقِ، فتنبَّهْ أيُّها المؤمنُ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ .
*تحقيقُ مبدأِ التكاتفِ والتآلفِ والتواصلِ بينِ أفرادِ المجتمعِ: لقد بيَّنَ رسولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حالَ المجتمعِ عندمَا يمنعُ حقَّ المالِ والزكاةِ فعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالسِّنِينَ» (الطَّبَرَانِي، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ)، فانظرْ كيفَ يكونُ حالُ الأممِ عندما تأكلُ حقَّ الفقيرِ والمسكينِ، وفي هذا تنبيهٌ على أنَّ للزكاةِ دورًا مهمًّا في تَنشيطِ الحركةِ الاقتصاديةِ داخلَ المجتمعاتِ البشريةِ، وليس كما يعتقدُ البعضُ مِن أنَّها تسنفذُ الثرواتِ، وتقضي على الممتلكاتِ، فالإسلامُ لا يريدُ مِن أتباعِهِ أنْ يعيشُوا في دائرةٍ منغلقةٍ على أنفسِهِم متغافلينَ واجبَهُم تجاهَ الآخرينَ مِن الضعفاءِ والمحتاجينَ، ولذا مَن يفعلُ ذلك معرضٌ لسخطِ أحكمِ الحاكمين، واستمعْ إلى هذا المشهدِ القرآنيِّ -الذي يجعلُ الولدانَ شيبًا- حيثُ جاءَ على لسانِ المتقين – على سبيلِ التوبيخِ والتحسيرِ لهؤلاءِ المجرمين- ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾، فها هُم قد اعترفُوا وأقرُوا بأنَّ الإلقاءَ بهم في جهنمَ إنَّما كان بسببِ عدمِ إطعامِ الجائعِ، وتركِ كسوتِهِ، ورعايةِ حالِهِ، بل يزيدُ اللهُ الأمرَ إيضاحًا فيجعلُ في رقبةِ كلِّ موحدٍ بهِ حقًّا للمسكينِ أنْ يحضَّ غيرَهُ على إطعامِهِ والاهتمامِ بهِ، ويجعلُ تركَ هذا الحضِّ مِن لوازمِ الكفرِ والتكذيبِ بيومِ الوعيدِ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ﴾
إنَّ تفعيلَ دورِ الزكاةِ والصدقاتِ يحققُ التكافلَ الاجتماعيَّ، ويقضِي على المشاكلِ الاقتصاديةِ والرذائلِ الإنسانيةِ كالغشِّ والكذبِ والتسولِ وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ والاحتكارِ، إذ يشعرُ كلُّ فردٍ أنَّ لهُ حقوقًا وعليه واجباتٍ، فينشأُ الأمنُ والأمنُ، ويُنشرُ الرخاءُ والتقدمُ، ويحيا الناسُ حياةً طيبةً ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وعَنِ النُّعْمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (مسلم)، ولذا عندمَا يحدثُ خللٌ في فريضةِ الزكاةِ، ويضنُّ الأغنياءُ على الفقراءِ والأيتامِ، ينشأُ عدمُ التوازنِ داخلَ المجتمعاتِ، وصدقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قالَ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ يُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِذَا جَاعُوا وَعَرَوْا إِلَّا بِمَا يُضَيِّعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ» (الطَّبَرَانِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزاهد، وهو مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ وُثِّقُوا)، وعندئذٍ يأتي العقابُ الإلهيُّ لهذا الممتنعِ عن أداءِ زكاتِهِ وصدقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قالَ: «يا مَعْشَرَ المهاجرينَ خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ: … ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا» (ابن ماجه) .
نسألُ اللهُ أنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف